الثلاثاء، 2 يوليو 2019

شماتة الأعداء

كم شامتٍ بـاغٍ بوجهٍ كالـحِ
يأتيك مرتديًا ثيابَ الناصح

ويظلُّ يرقُبُ أن تصيبَك عثرةٌ
فيطـير أُنـسًا كالغـريمِ الرابـحِ

فتراه مثلَ الطفلِ يَبرُق وجهُه
فـرحًا ويطـربه نـيـاحُ النـائــحِ

ومن الغرور تراه يمدحُ نفسَه 
(الله مـيـزني بـعقلي الـراجحِ

ولكم نصحتُ أخي أريدُ نجاتَه 
لـكـنه لـم يسـتجـب لنصـائحي

ولـوَ انه ينصاع لي ويطيعني 
ينجو بفضلي للسبيل الواضحِ

إنْ لم يكن كلبٌ ينابحُ عنكمو
فـأنـا أقـومُ لـكم بِـدَورِ النابحِ)

ويحبُّ نشرَ العيبِ في إخوانه
يمضي يحـدِّثُ كلَّ غـادٍ رائحِ

لا يقبلُ النصحَ الرشيدَ فيرعوي
فــالله مــيَّــزه بـجـهــلٍ طــافــحِ

إن الـشـماتـةَ بالـعـدوِّ مـعـيـبـةٌ 
فعلام تشمتُ بالصديقِ الصالحِ

وشماتـةُ الأعـداءِ نفـثةُ حاقـدٍ 
ومرورها مثلُ اللهيبِ اللافحِ

ومن الصديق كطعنةٍ مسمومةٍ
وأشدُّ من وقعِ المُصابِ الفادحِ

وخيانةُ الخلِّ القريبِ مريرةٌ
وأمـرُّ من بحرٍ أجـاجٍ مالـحِ
_______________

أبو أسامة زيد الأنصاري

__________________________
__________________________
ما أجمل هذه القصيدة التي جاءت في عصر تحتضر فيه القيم والأخلاق، وتعلو منازل الطالحين فوق منازل الصالحين..
ولأن الأرض يرثها عباد الله الصالحين..إلا أن الموازين في هذا الوقت العصيب انقلبت على عقبها وتفككت العلاقات الإنسانية إلا من رحم ربي.. ولأننا في محض حمل الأمانة والرسالة على الأرض..والتي أوحاها رب العالمين لعباده كي نكون في قمة المسؤولية اتجاه تسخير الله الكون وما فيه بغية مصلحة العباد كي يكونوا خلفاء في الأرض صالحين متقين..
فكان من أبسط تكليف الله لنا، أن نكون شتائل للقيم والمبادئ ونثر عبير الأخلاق بين العباد مبتدئين من أنفسنا..لأن كل إنسان هو مرآة نفسه، يعكس سلوكه وأخلاقه عبر أثير المعاملات التي تنشأ من خلال التقارب بين بني البشر..
إن انعكاس نوايا الفرد وأخلاقه تظهر عند الاحتكاك..ومعادن الناس تلمع عند المصاحبة وتبادل المصالح في بؤرة الالتقاء تحت أية قربى أو صلة..فلا نعرف الحكيم حكيماً إلا عند حسن التصرف الذي يستطيع فيه استقطاب القلوب والعقول في ثوب ناصح للتعلم والتطبيق والتنفيذ بما هو أهل للخير وردع مساوئ الأخلاق..كذلك الصديق لا يصبح صديقاً إلا عند الاحتكاك به في السراء والضراء..فيكون وفيا مخلصاً ناصحاً له وليس طعانا هاتكا لستره وعرضه بل حافظا له في أسوأ الظروف وأحلكها..

هذه القصيدة البارعة ذكرتني بشعراء الحكمة والموعظة والقول الرشيد أمثال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه والشافعي رحمه الله عدا عن الشعراء الذين يتخذون من حروفهم ركائز لبناء المجتمعات عن طريق النصح والإرشاد..ولمثل هذه الثلة من الشعراء قليل وجودهم..لأن البيئة اليوم أصبحت في تصفيق حار لأهل الكفر على حساب دينهم ومبادئهم المختلفة..وها نحن نشاهد انقلاب الموازين في أخلاق الناس وكبار العلماء الذين كانوا محل ثقة من الناس انجدهم باعوا مبادئهم وتاجروا بها خوفاً من العباد ومن حكامهم وانزلقوا أسفل سافلين في الحضيض حتى تقربوا من منازل أهل الضياع والكفر والفساد وأصبحوا لهم من الداعمين لضلالهم وكفرهم..

القصيدة تحمل تأويلات ودلالات مختلفة..نستطيع أن نضعها في قوالب مختلفة لمعالجة فئات مختلفة في المجتمع..فنستطيع رصدها في قالب إجتماعي بحت، لمعالجة قضايا المعاملات التي تحدث على الصعيد الاجتماعي العام وعلى الصعيد الفردي الخاص..لتوجيه الأفراد نحو سلوكيات يصلح عبرها الفرد ثم المجتمع..
ثم نستطيع وضعها في قالب سياسي، وما يحمل عدو الله وعدونا من نصائح الماكرين لتمزيق أمتنا لدويلات صغيرة حتى يستطيعون السيطرة على الحكم العربي وحكامنا الذين هم كالدمى يتلاعبون بهم وفق مصالحهم الدنيئة..
لذلك مكر الماكرين والخداع والغدر هي سمات البشر من الأزل..والله سبحانه خلقنا نميز الخير من الشر وكل إنسان حسب درجات فكره وخشيته من الله ودرجة عبوديته لله..بقدر وعيه ونضوجه وإدراكه لسبل الحياة المختلفة بقدر حرصه على رضا الله وحسن تصرفه في نطاق مجتمعه وحرصه عليه ليكون منبتاً حسناً يزهر إنساناً يستثمر فيه الخير ودروب الحق...

لذلك نرى الشاعر بقوة بصيرته وحكمته وبحكم تجاربه الحياتية، أفرز لنا حروفاً جمالية بتراكيب متينة تستحوذ على فكر المتلقي وتذوت فيه معاني النصح الصادق..ونحن بأمس الحاجة لمثل هذه القصائد..لأنها ملح الحياة وتقويماً للسلوكيات والأخلاق..

القصيدة جاءت بين فئة الخير وفئة الشر..بين المنافق وبين الصالح.. بين الحاسد الغيور وبين الصالح، بغية تحقيق المصالح والأهواء..
استخدام مثل هذا الأسلوب الشعري كردع للأخلاق البذيئة..إنما جاء تاجاً على روح الأدب وأهله..
ولا يستعمل مثل هذا الأسلوب إلا العمالقة الكبار الذين يحملون همّ الخلق والأمة..
الشاعر قدم لنا لوحته الإبداعية هذه وهي تمتلئ بالحكم والعبر والمواعظ..وهي تملي علينا بالتشابيه البديعة مثل:

ويظلُّ يرقُبُ أن تصيبَك عثرةٌ
فيطير أنسًا كالغريمِ الرابحِ

فتراه مثلَ الطفلِ يَبرُق وجهُه
فرحًا ويطـربه نياحُ النائحِ

وشماتةُ الأعداءِ نفثةُ حاقدٍ
ومرورها مثلُ اللهيبِ اللافحِ

ومن الصديق كطعنةٍ مسمومةٍ
وأشدُّ من وقعِ المُصابِ الفادحِ

التي من شأنها دعم القصيدة فنياً وقوة في الألفاظ..مما تدل على موقع الشاعر من البلاغة والفصاحة والبراعة في القول..ومنها يفتح الآفاق في التخيل والسبر في أعماق الفكر..ضمن الدلالات التي ارتكزت في تقويم سلوكيات الإنسان وضمن عملية التوجيه في تكوين إنسان صالح يدب على هذه الأرض..فكانت من بلاغتها أنها دخلت النفوس وأثّرت في جدارها مما أشعل جوانبها من التأثر والعمل على إصلاح الذات كعامل النصيحة في زمن أغبر...

فكرة النص مذهلة جداً، استطاع الشاعر أن يوقظ النفس من غفلتها وأن يوقظ عواطف المتلقي بلغته التصويرية وبأسلوبه التشويقي السهل الممتنع..
الشاعر الكبير المبدع الراقي الحكيم
أ.زيد الأنصاري
لله دركم على قلم لا يتنفس ولا يزفر إلا الجمال والإبداع
سعدت جدا بين ظلال وارفتكم وما نثرتم من الوعظ والحكم ما يثلج الصدور..
وفقكم الله ورفع قدركم ومنزلتكم عند الله
وزادكم نوراً وخيراً كثيراً

جهاد بدران
فلسطينية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق